المسطرة التشريعية




التقديم:
  الحديث عن المسطرة التشريعية ليس الحديث عن التشريع بكل أنواعه ، وليس الحديث عن المصادر القانون بل المراد عن المسطرة التشريعية : هو القوانين العادية أي القانون  بمعناه ( الضيق )، والقوانين التنظيمية ، مع المراسيم الحكومية أو القوانين الفرعية ،لأن المراد بالمسطرة هي القوانين الجاري بها العمل و التطبيق عن جانب المحاكم أي ( السلطة القضائية ) . فالأسئلة والإشكاليات التي تطرح حول هذا الموضوع، هي كالتالي: ما هي القوانين العادية، والتنظيمية، والمراسيم ( القوانين الفرعية )؟ وما هو الفرق ، والعلاقة بين بعضهن بالبعض ؟، ومن أين يصدر كل من هذه القوانين؟(أي ما هو الجهاز المتخصص لتشريع هذه  القوانين ؟) فسنقوم بدفع وتحليل وبالمعالجة العلمية لهذه الإشكاليات والأسئلة بعون الله من خلال بحثنا هذا ، عبر هذه المنهجية التالية :
  المبحث الأول: التشريع العادي:- مراحل سنه ونفاذ
  المبحث الثاني: التشريع التنظيمي، و التشريع الفرعي ومراقبة دستورية القوانين:-
 وسيحتوي كل واحد من المبحثين على المطالب، وفروع وفقرات متعددة وفق مطالبة الموضوعات التي ستتم تقديمها خلال العرض. 
المبحث الأول:- التشريع العادي
    التشريع العادي أو القانون بمعناه الضيق: عبارة عن المجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تصدر عن السلطة التشريعية التي يعينها الدستور ويبين الميادين التي تشرع فيها. بمعنى الآخر إن القانون العادي عبارة عن مجموعة النصوص القانونية الصادرة عن جهازه المختص، ألا وهو ( البرلمان ) ضمن وثيقة مكتوبة وتهتم بتنظيم مختلف مناحي، وأطراف الحياة الاجتماعية. و دستور الدولة هو الذي يقوم بتعيين السلطة المختصة بميدان التشريع، ومدى اختصاصاتها،و صلاحيتها، وميادين والمجالات التي تنظمها.  (1)
 فنظرا إلى دساتير الدول في العالم نجد جل دساتير العالم تنص علي أن السلطة التشريعية ((البرلمان)) هي السلطة المختصة لسن القوانين العادية، كما نص دستور المغربي في الفصل 45 من الدستور المراجع صراحة على أنه ( يصدر القانون عن البرلمان بالتصويت)). (2) مع أن هناك توجد بعض حالات استثنائية تحل فيها السلطة التنفيذية أي الحكومة محل السلطة التشريعية فتقوم الحكومة بتصدير بعض التشريعات. 
 نظرا لهذه المعطيات التي تمت تقديمها،  قد يخطر في ذهن الباحث الأسئلة التالية:
-  ما هي الجهات والأجهزة المختصة بسن وتشريع القوانين العادية؟  
- و ما هي مراحل السن و نفاذ هذه القوانين العادية ؟  
   فإذن كما يجب على الباحث لدراسة التشريع العادي التطرق والنظر لمختلف الجهات و الأجهزة التي تقوم بممارسة ذالك النشاط، والمراحل التي يمر منها سن ونفاذ هذه القوانين،
سنقوم بتقديم مطلبين في هذا الموضوع.
 المطلب الأول:- حول جهات والأجهزة المختصة بسن التشريع العادي. 
المطلب الثاني:- مراحل سن التشريع ونفاذه.
المطلب الأول: مختلف الجهات التي يصدر عنها التشريع العادي    
كما ذكر آنفا أن التشريع العادي يصدر في  جل دول العالم أصلا عن البرلمان باعتباره السلطة التشريعية العادية . 
   لكن هذا الأصل ترد عليه بعض الاستثناءات حيث تخول في بعض الحالات هذه الوظيفة للملك أو الحكومة قد تمارسها الملك وقد تمارسها الحكومة ،كما سنقوم من خلال فرع الأول، بشرح وتوضيح اختصاصات البرلمان ، وممارسته من خلال دستور المغربي لهذا المجال .
 ومن خلال الفرع الثاني سنقوم بدراسة الحالات الاستثنائية التي يمارس الملك أو الحكومة السلطة التشريعية.
الفرع الأول: اختصاصات البرلمان المغربي لسن وإصدار القوانين العادية    
يضم القانون العادي مجموعة التشريعات التي أوردها ف 46 من دستور 1996 على سبيل الحصر، و كذلك الحريات الواردة في الباب الأول، و ما هو منصوص عليه في نصوص متفرقة من الدستور.
 المواد التي حصرها الفصل 46 من دستور 1996. 1
 - ينص الفصل 46 من الدستور على أنه:”يختص القانون بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور بالتشريع في الميادين الآتية :
  - الحقوق الفردية و الجماعية المنصوص عليها في الباب الأول من هذا الدستور. 
 - تحديد الجرائم و العقوبات الجارية عليها و المسطرة الجنائية و المسطرة المدنية و إعداد أصناف جديدة من المحاكم.
.  - النظام الأساسي للقضاة 
.  - النظام الأساسي للوظيفة العمومية
  - الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين و العسكريين.
  - النظام الانتخابي لمجالس الجماعات المحلية. 
  - نظام الالتزامات المدنية و التجارية. 
  - إحداث المؤسسات العمومية. 
  - تأميم المنشآت و نقلها من القطاع العام إلى القطاع الخاص.  
للبرلمان صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية “.(3)
من خلال هذا النص ، يتضح أن الدستور قد حدد نطاق اختصاص البرلمان في مجال التشريع ، و لكن توجد للبرلمان  كما بعض اختصاصات في نفس المجال في بعض الأمور، كما حددها الدستور ضمن فصوله الأخرى منها :
- كما خول الدستور للبرلمان صلاحية الحد من مدى وممارسة حق الملكية إذا دعت إلى ذالك ضرورة النمو الاقتصادي و الاجتماعي (الفصل 15).    
 - وقد خول الدستور في الفصل 31 للبرلمان صلاحية الموافقة على المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة.
- والفصل 50 من الدستور يخول للبرلمان حق التصويت على قانون المالية و إصداره . 
- وخول الفصل 99 من الدستور للبرلمان، تحديد قواعد تنظيم المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات وتحديد اختصاصاتها وطرق تسييرها.
- و الفصل 100 من الدستور يخول للبرلمان تحدي الشروط اللازمة لتنفيذ قرارات مجالس العمالات و الأقاليم والجهات من طرف العمال .
- وأخيرا الفصل 104خول للبرلمان حق الموافقة على اقتراح مراجعة الدستور المقدم من طرف عضو أو أكثر من أعضاء مجلس النواب أ و مجلس المستشارين. (4)
الفرع الثاني : الحالات الاستثنائية التي تقوم الملك أو الحكومة بممارسة السلطة التشريعية
الفقرة الأولى: الحالات التي تقوم الملك بممارسة السلطة التشريعية 
يمكن لجلالة الملك أن يسن التشريع العادي مباشرة نيابة عن البرلمان خلال أربع حالات التالية:
أولا:- الفترة الانتقالية: هي أن البرلمان المغربي يفتح دورتها الأولى برئاسة الملك يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، أما الدورة الثانية فتفتح يوم الجمعة الثانية من شهر أپریل ، وذالك بمقتضى الفصل 38 من الدستور.  
فتفاديا للفراغ التشريعي ، يمكن للملك إصدار التشريعات خلال الفترة الانتقالية التي تفصل بين المؤسسة البرلمانية السابقة و المؤسسة البرلمانية الجديدة ، فإلى حين إدخال هذه الأخيرة حيز التنفيذ يقوم الملك بإصدار بعض الظهائر الشريفة في المجال التشريعي إلى حين انعقاد الدورة البرلمانية العادية . (5)
ثانيا:- فترة انتهاء صلاحيات البرلمان: صلاحية البرلمان قد تنتهي بطريقة عادية أو بطريقة غير عادية:  
 1- الطريقة العادية: هي انتهاء ولاية تشريعية بإكمال مدتها المنصوص عليها في الدستور، والولاية التشريعية المغربية مدتها ست سنوات. 
 2- الطريقة غير العادية:هي تتجلي في حل البرلمان قبل مدة ولايته التشريعية، كما ينص الفصل 71 من الدستور المغربي على أنه ” للملك بعد استشارة رئيسي البرلمان ورئيس المجلس الدستوري وتوجيه خطاب للأمة أن يحل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير شريف”
أو قد تنتهي مدة صلاحية البرلمان بطريقة الدستورية والعادية ، ولكن تتأخر انتخاب برلمان جديد، كما حدث ذالك سنة 1983 حيث انتهت ولاية مجلس النواب في أكتوبر دون أن يتم انتخاب مجلس جديد ، وذالك بسبب مشكل الصحراء ، ففي تلك الحالات تنتقل صلاحية ممارسة الوظيفة التشريعية للملك ، ويمارس هذا النشاط إلى حدود انتخاب برلمان جديد . 
كما ينص الفصل 72 من الدستور المغربي على أنه :”يقع انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجديد في ظرف ثلاثة أشهر على الأكثر بعد تاريخ حله ، وفي أثناء ذالك يمارس الملك ، بالإضافة إلى السلطة المخولة له بمقتضى الدستور ، السلطة التي يختص بها البرلمان في مجال التشريع .(6)
 ثالثا:- الحالة الاستثناء : هذه الحالة عبارة عن الظروف التي تتجلي في تهديد حوزة التراب الوطني أو وقوع ظروف من شأنها أن تمس بسير المؤسسات الدستورية (7) ، فالمبادرة الملكية في هذه الحالة لا تقتصر على الدفاع عن حوزة التراب الوطني فقط ورجوع المؤسسات العادية إلى سيرها العادي ، بل أيضا بالطبع ممارسة السلطة التشريعية بمقتضى النص الدستوري الذي نص عليها الدستور المغربي في الفصل 35 على أنه ” إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما من شانه أن يمس بسير المؤسسات العمومية،
يمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير شريف بعد استشارة رئيس مجلس النواب ورئيس  مجلس المستشارين و رئيس المجلس الدستوري وتوجيه خطاب للأمة ، ويخول بذالك ،
على الرغم من جميع النصوص المخالفة ، صلاحية اتخاذ جميع الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن حوزة الوطن ويقتضيها رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي أو يتطلبها تسيير شؤون الدولة .
  رابعا:- اقتضاء مصلحة العامة للبلاد: إلى جانب الحالات السابقة التي كانت تمكن الملك من صلاحية ممارسة السلطة التشريعية ، كما يمكن لجلالة الملك أخذ مبادرة لإصدار التشريعات حتى مع قيام البرلمان نظرا لمكانة الهامة التي يتمتع بها جلالته كلما دعت المصلحة العامة للبلاد ذالك رغم عدم وجود نص صريح في الدستور على هذه المبادرة .
ملاحظة بالتشريع الذي أصدره جلالة الملك المغربي خلال خطابه الملكي يوم 20 غشت    1980بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لثورة الملك والشعب ، حيث خفض بمقتضى هذا التشريع من ثمن كراء الأماكن المعدة للسكنى بنسبة الثلث لفائدة الأشخاص الذين لا يبلغ دخلهم إلى 1500 درهم شهريا . (8)
  الفقرة الثانية = الحالات التي تقوم الحكومة لممارسة السلطة التشريعية 
 قد تقوم الحكومة بسن التشريع بنفس المواصفات التي تقوم بها البرلمان، يمكن حصر هذه الحالات التي تملك فيها الحكومة صلاحية إصدار القوانين في الحالتين الإذن، والضرورة كما نص عليهما الدستور المغربي في الفصلين(45 و 55 ).
  أولا:- الحالة الإذن: وهذه الحالة قد تسمي بحالة التفويض بمعنى الآخر هي حالة التي تحصل الحكومة على إذن من السلطة التشريعية ” البرلمان ” لسن بعض قوانين معينة خلال فترة زمنية معينة (9) ، كما نص الفصل 45 من الدستور المغربي على أنه  يمكن”للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الضمن محدود و لغاية معينة بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها ، غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة عند انتهاء الأجل الذي يحدده قانون الإذن بإصدارها، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما” . 
   والمثال على ذالك ، فهناك بعض مجالات قد تفتح للحكومة مجال طلب الإذن من البرلمان لسن التشريعات في مجالات خاصة لغاية معينة خلال فترة زمنية معينة ، مثل بعض التشريعات التي تتطلب الدقة ، والسرعة ،والسرية ؛ كالتشريعات التي تفرض بعض الرسوم أو بعض الضرائب أو تعديلها ،وذالك رغم مطالبة تلك التشريعات على الإحاطة بالسرية المطلقة حتى لا يتسرب مضمونها قبل الإعلان عنها ، بأن لا تتاح للأفراد فرصة التهرب منها .
   ثانيا:- حالة الضرورة: خلال فترات غياب البرلمان ،سواء يكون هذا الغياب بسبب حل البرلمان أو عطلة التي توجد بين دورتي البرلمان ، كما هو معلوم أن البرلمان قد ينعقد جلساته خلال دورتيه الخريفية و الربيعية فقط ، فخلال هذه الدورات يسمح الدستور للحكومة بسن التشريع تفاديا للفراغ التشريعي (10).
كما نص الفصل 55 من الدستور على أنه ” يمكن للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة في أثناء الدورة التالية للبرلمان”.
 ولكن؛ نظرا لفصل 58 من الدستور المُراجَع ، يجب عرض مشروع مرسوم القانون على الغرفتين معا للنظر فيه في أجل ستة أيام و اتخاذ قرار موحد ، وإلا جاز للحكومة تشكيل لجنة مختلطة متساوية الأطراف من الغرفتين للنظر فيه داخل أجل ثلاثة أيام من انعقادها ثم عرض قرارها على اللجنة البرلمالنية المختصة التي يجب أن تبدي رأيها خلال أربعة أيام ، ويعتبر مشروع المرسوم مرفوضا إذا لم تجب اللجنة المختلطة داخل الأجل أو إذا رفض المقترح من طرف اللجنة البرلمانية. 
   المطلب الثاني:- مراحل سن التشريع ونفاذه. 
 القانونين العادية أو التشريع العادي للحصول على صفة الاتسام بقوة تنفيذية وبعنصر الإلزام حتى تصبح نصوصا ما بمثابة قانون، يجبها المرور لزوما، بعدة مراحل، التي يمكن تقديمها ضمن فرعين: الفرع الأول مراحل سن التشريع العادي، والفرع الثاني مراحل نفاذ التشريع العادي.
    الفرع الأول: مراحل سن التشريع
يتم سن التشريع العادي في المغرب وفقا لدستور المغربي عبر المراحل التالية:
  الفقرة الأولى:-المبادرة التشريعية في المجال القانون العادي: هي وضع مشروع على البرلمان لإبداء الرأي فيه، وهي قد تتم من جانب البرلمانيين وقد تتم من جانب الحكومة ويستحق وزير الأول وكل عضو من أعضاء البرلمان بمبادرة التشريعية ،وفقا لفقرة  الأولى  لفصل 52 من الدستور المغربي حيث تنص على أن ” للوزير الأول ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين” ،باستثناء الاقتراحات والتعديلات التي تؤدي إلى تخفيض الموارد العمومية أو الزيادة في  تكاليف موجودة؛ كما جاء في الفصل 51 من الدستور، وتحال مشاريع ومقترحات القانون على اللجنة البرلمانية التي تستمر عملها خلال  فترات الفاصلة نظرا لفصل 54 من الدستور لدراستها وتقديمها للجلسة العمومية في البرلمان حين اجتماعه خلال دوراته. (11)
 فهذه المبادرة تأتي على النوعين نظرا للجهات التي تقوم بها.
  أولا:- مشروع القانون:هي عبارة عن مبادرة التشريعية التي تتم تقديمها من جانب الحكومة، و يتم تقديم هذا المشروع من طرف وزير الأول حين شعور الحكومة بالحاجة إلى سن قانون معين، بعد تداوله من المجلس الوزاري نظرا لفصل 66 من الدستور المغربي. حيث جاء في الفقرة الخامسة من هذا الفصل تحال على المجلس الوزاري مشاريع القوانين قبل إيداعها بمكتب أي من مجلسي البرلمان. 
  ثانيا:- مقترح القانون: هي مبادرة تشريعية التي تتم من طرف أحد أو جمع من البرلمانيين   سواء من مجلس النواب أو المستشارين. 
  الفقرة الثانية:- مرحلة المناقشة و التصويت:
     بعد وضع المشاريع ومقترحات القوانين في أحد مجلسي البرلمان ، حينئذ يحال على لجان مختصة لأجل النظر فيه ، هذه اللجان تعمل خلال الفترات الفاصلة بين الدورات ، ويستمر عملها المتمثل في دراسة مشاريع ومقترحات القوانين و لها حق التعديل ، وهذا الحق كما هو ثابت لأعضاء البرلمان ، ثابت أيضا لأعضاء الحكومة ، وكذالك للحكومة بعد افتتاح المناقشة أن تعارض كل تعديل لم يعرض من قبل على اللجنة المختصة التي يعنيها الأمر. 
    ويتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو اقتراح قانون بغية التوصل إلى اتفاقهما على نص واحد ، ويتداول المجلس المعروض عليه الأمر أولا في نص مشروع القانون المقدم من الحكومة أو نص اقتراح القانون المسجل في جدول أعماله، بينما يتداول المجلس الثاني الذي يحال إليه نص سبق التصويت عليه من المجلس الآخر في النص المحال إليه نظرا لفصل 58 من الدستور . و وفق الفصل 57

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
 
المراسيم 

المقدمة
تقوم السلطة التنظيمية بممارسة اختصاصاتها عبر أخذ قرارات وتدابير التي تعتبر من أهم اختصاصاتها ، فهذه القرارات التي تقوم بها السلطة التنظيمية تسمي في الفقه الإداري بالمراسيم التنظيمية ، أو بعبارة أخرى المراسيم التنظيمية عبارة عن مجموعة من القرارات الصادرة من السلطة التنظيمية ، وهي عبارة عن السلطة التي يرأس في المغرب من طرف وزير الأول من حين مراجعة الدستور في 10 مارس 1972 حتى الآن حيث كان في ظل الدستور 1970 تعتبر هذه السلطة  من اختصاصات الملك ، يتحتم على الباحث و الطالب في القانون الإداري الوقوف عند هذا الاختصاص المخول دستورا للسلطة التنظيمية من الناحيتين ،حيث من جهة أن هذه القرارات التي تقوم بإصدارها السلطة التنظيمية تعتبر أهم مصدر من مصادر القانون الإداري ومن ناحية أخرى هي أهم اختصاص من اختصاصات الوظيفي للإدارة التي دراستها تعتبر من أهم أغراض الباحث في القانون الإداري .
فأول إشكالية التي تخطر في ذهن الباحث في هذا المجال هي كالآتي :
متى يمكن للسلطة التنظيمية القيام بإصدار المراسيم على العموم أولا وثاني على الأخص القيام بأخذ القرارات التنظيمية ؟
فإجابة على هذه الإشكالية يمكننا أن نقول بأنه يثبت للسلطة التنظيمية ممارسة هذا الاختصاص في حالة وجود و قيام السلطة التشريعية حيث يمكنها أن يقوم بتفصيل و تفسير القوانين الصادرة من السلطة التشريعية و أيضا يمكنها أخذ قرارات مستقلة خارج إطار اختصاصات المختصة بواسطة الدستور لفائدة البرلمان، كما تمكنها أن تقوم بالتشريع خلال ممارستها للسلطة التشريعية  المخولة لها دستورا في مجال مختصة للبرلمان ، وذالك في حالتي الضرورة والتفويض ، و أيضا يمكن للحكومة سن مراسيم مالية في حالة عدم موافقة البرلمان لسنها في مدة محددة له بالدستور .
سنتطرق باعطاء معلومات بسيطة لكل نوع من المراسيم معالجة للإشكالية تم تقديمها عبر المنهجية التالية :
الفرع الأول :- المراسيم التنظيمية المستقلة
الفرع الثاني :- المراسيم التنظيمية التطبيقية
الفرع الثالث :- المراسيم المالية
الفرع الرابع :- المراسيم الضرورة
الفرع الخامس :- المراسيم التفويض أو الإذن
 
       الفرع الأول:- المراسيم المستقلة 
      المراسيم المستقلة عبارة عن مجموعة من القرارات التي تقوم السلطة التنظيمية بإصدارها لتنظيم المصالح و المرافق العامة ، وتنسيق سير المرافق العمومية ضمانا على حفظ نظام العام والأمن و الاستقرار في البلد.
ونظرا بأن السلطة التنظيمية هي أقدر على معرفة القواعد الواجبة الإتباع في هذا المجال ، فاتخاذ هذه النوع من القرارات وإصدارها في المغرب كما ذكرنا آنفا تتم من طرف الوزير الأول وفق فصل 47 من الدستور المغربي حيث ينص على أنه ” إن المواد الأخرى التي لا يشملها اختصاص يختص بها مجال التنظيم “.
فجدير بالذكر أن ممارسة السلطة التنظيمية لهذ الاختصاص أفرزت نوعين من المراسيم حيث الأولى تتميز بالصبغة العامة في حين أن النوع الثانية منها تتصف بالصفة الفردية.
           - المراسيم التنظيمية المستقلة العامة :
       هي عبارة عن مجموعة من القرارات التي تقوم السلطة التنظيمية بإصدارها لا تختلف من القانون من ناحية الموضوع حيث تتسم بالعمومية والتجريد والإلزامية ، إلا تختلف عن هذه الأخيرة من ناحية الشكل بإصدارها من السلطة التنظيمية، كما ذكرنا آنفا أن الحكومة التي يرأسها الوزير الأول هي التي تقوم بإصدار هذه المراسيم و أخذ القرارات و التدابير اللازمة في هذا المجال عبر ممارسته لاختصاصاتها التنظيمية التي تخول لها بواسطة الدستور ، فتقوم الحكومة بتنظيم مجالات غير محددة حتى تزداد عدد المراسيم من عدد القوانين الصادرة عن البرلمان لأن هذا الأخير يسن القوانين في ميادين محددة له بالدستور ، في حين أن سائر المجالات التي لا تدخل في اختصاصات البرلمان تخول أمر تنظيمها للسلطة التنظيمية. 
        - المراسيم المستقلة الفردية :
      المراسيم الفردية عبارة عن القرارات التي تقوم السلطة التنظيمية بإصدارها مختصا بحالة معينة و واقعة معينة و أشخاص معينين وبالتالي تستنفذ بمجرد تطبيقها لمرة واحدة كقرارات التعين أو مراسيم منح الجنسية ، وتكتسب صفة الاستقلالية لأن السلطة التنظيمية تستمد حق إصدارها مباشرة من الدستور دون اللجوء إلى أي قانون آخر، كمراسيم ختم دورات البرلمان إذا تجاوزت مدة معينة طبقا لفصل 40 من الدستور المغربي ، أو وفق فصل 41 من نفس الدستور مراسيم عقد دورات استثنائية للبرلمان و إنهائه .
       الفرع الثاني:- المراسيم التطبيقية 
    هي مجموعة من القرارات السلطة التنظيمية بوضعها لتنفيذ و تطبيق التشريعات العادية أي القوانين الصادرة من السلطة التشريعية .
أو بعبارة أخرى مراسيم التطبيقية عبارة عن القواعد التي تسنها الحكومة لتفصيل التشريع العادي و لتشريح وتحديد مفهومه وبالتالي توضح بها كيفية تطبيق هذا الأخير .
فالمشرع يكتفي بسن القواعد القانونية في عموميتها و أحكامها الجوهرية تاركا لجوانب التفصيلية التي يتوقف عليها تطبيق القانون للسلطة التنظيمية التي تكمل في هذا المجال عمل المشرع بسنها لمراسيم التطبيقية .
و مرد ذالك إلى أن المشرع الذي ليس له تدخل في تنفيذ القوانين بعد سنها قد لا يحسن القيام بمهمة تفصيلها و تبيان كيفية تطبيقها نظرا لعدم امتلاك هذا الأخير على خبرة كافية في هذا المجال ، بينما إن السلطة التنظيمية نظرا لطبيعة وظيفتها و بحكم اتصالها المستمر بالجمهور تكون أقدر من غيرها على معرفة التفصيلات اللازمة لوضع هذه المبادي العامة الصادرة من السلطة التشريعية موضع التنفيذ ، و لهذا نجد أن سلطة هذه المراسيم مسلم بها للسلطة التنظيمية في جميع الدول حيث تحرص الدساتير دائما على النص صراحة على هذه السلطة للإدارة كما نص الدستور المغربي في الفصل 61 على انه ” تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول ، والإدارة موضوعة رهن تصرفها ” .
والأصل في هذه المراسيم أن تلتزم حدود القانون الذي صدرت لتنفيذ و تطبيقه فلا يجوز للسلطة التنفيذية أن تخرج عن نطاق القانون فتتناول نصوصه بالتعديل.
          الفرع الثالث : المراسيم المالية 
      المراسيم المالية هي مجموعة من القواعد والقرارات التي تقوم الحكومة ” السلطة التنفيذية ” بإصدار ها لأجل اعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية بعد ألا يتم تصويت ودراسة القانون المالية لسنة مالية ما. 
   يتوقع قانون المالية لكل سنة مالية مجموع موارد وتكاليف الدولة ويقيمها و ينص عليها ويأذن بها ضمن توازن اقتصادي ومالي يحدده القانون المذكور. 
     يتولى الوزير المكلف بالمالية تحضير مشاريع قوانين المالية تحت سلطة الوزير الأول. 
     و يودع مشروع قانون المالية للسنة بمكتب أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير. يشفع المشروع بتقرير تعرض فيه الخطوط العريضة للتوازن الاقتصادي والمالي والنتائج المحصل عليها والآفاق المستقبلية والتغييرات التي أدخلت على المداخيل والنفقات. وتلحق بالتقرير المذكور وثائق تتعلق بنفقات الميزانية العامة وبعمليات الحسابات الخصوصية للخزينة وبمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وبالمؤسسات العمومية. يحال المشروع في الحين إلى لجنة تابعة للمجلس المعروض عليه الأمر قصد دراسته. 
     ويبت المجلس المعروض عليه الأمر أولا في مشروع قانون المالية داخل أجل الثلاثين يوما الموالية لإيداعه. تعرض الحكومة، فور التصويت على المشروع أو عند انصرام الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة، على المجلس الآخر النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها في المجلس المعروض عليه الأمر أولا والمقبولة من طرف الحكومة. يبت المجلس المعروض عليه الأمر ثانيا في المشروع داخل أجل الثلاثين يوما الموالية لعرض الأمر عليه. إذا لم يتأت إقرار مشروع قانون المالية بعد مناقشة واحدة في كلا المجلسين، يجوز للحكومة أن تعلن حالة الاستعجال وتعمل على اجتماع لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين يناط بها اقتراح نص بشأن الأحكام التي ما زالت محل خلاف وذلك داخل أجل لا يزيد على سبعة أيام من يوم عرض الحكومة الأمر عليها. تعرض الحكومة النص الذي تقترحه اللجنة الثنائية المختلطة والمقبول من طرفها على المجلسين لإقراره داخل أجل لا يزيد على ثلاثة أيام، ولا يجوز في هذه الحالة قبول أي تعديل إلا بموافقة الحكومة. إذا لم تتمكن اللجنة الثنائية المختلطة من اقتراح نص مشترك أو إذا لم يقر المجلسان النص الذي اقترحته، تعرض الحكومة على مجلس النواب مشروع قانون المالية بعد أن تدخل عليه عند الاقتضاء ما تتبناه من التعديلات المقترحة خلال المناقشة البرلمانية، وفي هذه الحالة لا يمكن لمجلس النواب أن يقر نهائيا النص المعروض عليه إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم. 
     و إذا لم يتم في 30 يونيو، وفقا لأحكام الفصل 50 من الدستور، التصويت على قانون المالية للسنة أو صدور الأمر بتنفيذه بسبب إحالته إلى المجلس الدستوري فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح بالميزانية المعروضة بقصد الموافقة. ويسترسل العمل في هذه الحالة باستخلاص المداخيل طبقا للأحكام التشريعية والتنظيمية الجارية عليها باستثناء المداخيل المقترح إلغاؤها في مشروع قانون المالية، أما المداخيل التي ينص المشروع المذكور على تخفيض مقدارها فتستخلص على أساس المقدار الجديد المقترح. لتطبيق الفقرة السابقة تدرج في مرسوم الأحكام المتعلقة بالمداخيل المقترح إلغاؤها في مشروع قانون المالية وكذا المداخيل التي ينص المشروع المذكور على تخفيض مقدارها، وينتهي العمل بالمرسوم المذكور فور دخول قانون المالية حيز التنفيذ.
الفرع الرابع :- المراسيم التفويض أو الإذن 
  مراسيم الإذن: وهذه المراسيم قد تسمي بمراسيم التفويض وهي عبارة عن القرارات التي تتخذها الحكومة في الحالة التي تحصل عليها إذن من السلطة التشريعية ” البرلمان ” لسن بعض قوانين معينة خلال فترة زمنية معينة ، كما نص الفصل 45 من الدستور المغربي على أنه  يمكن”للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الضمن محدود و لغاية معينة بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها ، غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة عند انتهاء الأجل الذي يحدده قانون الإذن بإصدارها، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما” . 
   والمثال على ذالك ، فهناك بعض مجالات قد تفتح للحكومة مجال طلب الإذن من البرلمان لسن التشريعات في مجالات خاصة لغاية معينة خلال فترة زمنية معينة ، مثل بعض التشريعات التي تتطلب الدقة ، والسرعة ،والسرية ؛ كالتشريعات التي تفرض بعض الرسوم أو بعض الضرائب أو تعديلها ،وذالك رغم مطالبة تلك التشريعات على الإحاطة بالسرية المطلقة حتى لا يتسرب مضمونها قبل الإعلان عنها ، بأن لا تتاح للأفراد فرصة التهرب منها .
الفرع الخامس :- المراسيم الضرورة: هي عبارة عن المراسيم التي تقوم الحكومة بإصدارها خلال فترات غياب البرلمان ، سواء يكون هذا الغياب بسبب حل البرلمان أو عطلة التي توجد بين دورتي البرلمان ، كما هو معلوم أن البرلمان قد ينعقد جلساته خلال دورتيه الخريفية و الربيعية ، فخلال هذه الدورات يسمح الدستور للحكومة بسن التشريع تفاديا للفراغ التشريعي . 
 كما نص الفصل 55 من الدستور على أنه ” يمكن للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة في أثناء الدورة التالية للبرلمان”.
 ولكن؛ نظرا لفصل 58 من الدستور المُراجَع ، يجب عرض مشروع مرسوم القانون على الغرفتين معا للنظر فيه في أجل ستة أيام و اتخاذ قرار موحد ، وإلا جاز للحكومة تشكيل لجنة مختلطة متساوية الأطراف من الغرفتين للنظر فيه داخل أجل ثلاثة أيام من انعقادها ثم عرض قرارها على اللجنة البرلمانية المختصة التي يجب أن تبدي رأيها خلال أربعة أيام ، ويعتبر مشروع المرسوم مرفوضا إذا لم تجب اللجنة المختلطة داخل الأجل أو إذا رفض المقترح من طرف اللجنة البرلمانية. 
 
الخاتمة
يمكننا أن نقول من نتيجة دراستنا في النهاية ، بأن السلطة التنظيمية كما رأينا من خلال دراستنا تلعب دورا كبيرا وهاما جدا عبر ممارسة اختصاصاتها في المجال التشريعي سواء يكون هذا الدور في التفسير وتفصيل وتحديد الهدف من القانون المعين الصادر من السلطة التشريعية أو في وضع قواعد مستقلة من إطار قيد القوانين العادية ، أو في ممارسة السلطة التشريعية الأصلية حالتي الضرورة و التفويض أو أخذ القرارات المالية لسير المرافق العمومية.   
المراجع :
 
1- د. الطيب الفصايلي مدخل لدراسة القانون ج.1 نظرية القانون الطبعة5  شتنبر 2002 بمطبعة النجاح الجديدة         الدار البيضاء ص 81 .
2- المبادئ القانونية العامة ج 1. نظرية القانون لأستاذة شايب أمينة الطبعة 2 الرباط- 2000-2001 كلية الحقوق  السويسي ص 164 .      
3- مفاهيم أساسية في القانون الخاص لدكتورة حياة البراقي نظرية القانون لسنة الجامعية 2007-2008 كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي – الرباط . ص   37 .
4- القانون البرلماني المغربي( دراسات و وثائق ) لدكتور المختار مطيع الطبعة الثانية 2004 دار القلم –
 الرباط. ص 69-70 . 
 5- القانون العام (مفاهيم ومؤسسات)لدكتور المختار مطيع- الطبعة الأولى 2007 دار القلم – الرباط.ص .7 
7- الوجيز في القانون الدستوري لدكتور محمد مالكي طبعة الأولى 2001 دار السلام - الرباط ص.87 .
8- القانون الدستوري والمؤسسات السياسية لدكتور خطابي المصطفى الطبعة الثانية 1994-  مراكش

Sharing Widget bychamelcool

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة جليوي القانونية ©2014-2013 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . Privacy-Policy| أنضم ألى فريق التدوين